يشتكي السكان في منطقة إدلب الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ الواجهة المدنية لـ”هيئة تحرير الشام” من قلة الدعم في القطاع الطبي من قبل المنظمات الإنسانية، وتوقف عدد من المنشآت الطبية عن عملها
وأبرزها التي تخصّ النساء والأطفال، في وقت تعيش المنطقة تردّياً في الوضع الاقتصادي والمعيشي وغياب فرص العمل وغلاء الأسعار، ما دفع الكثير من العائلات إلى إطلاق مناشدات لإنقاذ الواقع الطبي والنظر في حال السكان.
ويعدّ القطاع الطبي في إدلب من أكثر القطاعات التي تلقّت دعماً دولياً واهتماماً من قبل منظمات عالمية منذ بداية الثورة السورية، لكنّ ذلك لم ينفع بتأسيس أرضية صلبة لقطاع الصحة، إذ بات اليوم فاقداً لمقوّمات كثيرة، على الرغم من أنه من أهم المجالات جرّاء الكثافة السكانية وتردي الوضع الاقتصادي في المنطقة.
ويعيش في شمال غرب سوريا (محافظة إدلب وأجزاء من محافظات اللاذقية وحماة وحلب) ضمن مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، نحو 4,703,846 نسمة بينهم 1,674,918 نازحاً ومهجّراً قسرياً من مناطق مختلفة في سوريا.
توقف مشفى الإخاء
فاطمة السيد” (45 عاماً) نازحة من ريف حلب الجنوبي وتقطن في مخيم الجولان في بلدة أطمة على الحدود السورية – التركية، تؤكد أن غياب الدعم عن مشفى الإخاء المجاني في البلدة، سيُسبب كارثة وخاصّة أنها غير قادرة على متابعة أطفالها الستة في حال مرضهم في المشافي الخاصّة.
وأوضحت في حديثها لـ”أورينت نت” أن “هذا المستشفى هو الأقرب إلى مكان سكني وأتمنى ألا يغلق أبوابه، لأنني غير قادرة على توفير كلفة التوجّه الى مستشفى آخر”.
يقول أحد العاملين في المشفى (طلب عدم ذكر اسمه): “إن أغلب الأقسام في المشفى لا تعمل والخدمات أصبحت ضعيفة جداً منذ مطلع الشهر الحالي، ويا ليت الجهات المانحة والمنظمات تنظر في هذا الأمر، فالمرضى يقطعون مسافات طويلة جداً بحثاً عن الدعم الطبي.
ويقدّم المستشفى خدماته مجاناً لأكثر من 20 ألف مريض شهرياً، لكن منذ مطلع شهر آب/أغسطس أوقفت إحدى المنظمات الدولية دعمها له كلياً، وكانت مساهمتها تشكل ثمانين في المئة من إجمالي المساعدات التي يتلقاها.
يقول مدير المشفى الطبيب “عبد الكريم الياسين” لـ”أورينت نت” إن المشفى كان يخدم مخيمات النازحين الواقعة في بلدة أطمة ومحيطها، ومن منطقة دير حسان إلى منطقة باب الهوى حتى الحدود التركية، كما كان يستقبل حالات مرضية من بلدتي “دير بلوط وجنديرس” التابعة لمنطقة عفرين شمال حلب.
وأوضح أن قسم الأطفال في المشفى يحوي على 22 سريراً، وأحياناً يصل أعداد الأطفال المقبولين ضعف عدد الأسرّة، كما يحوي المشفى على 14 حاضنة أطفال و4 منافس و4 أجهزة سيباب وجهازَي بلدنر، و3 أسرّة عناية أطفال، لافتاً أن توقف الدعم عن المشفى وتوقف استخدام هذه الأجهزة سيحرم شريحة واسعة من خدمة متقدمة، وخاصة عناية حديثي الولادة الفريدة من نوعها في الشمال السوري.
المشفى يُخدم 3 آلاف امرأة شهرياً
وبالنسبة لقسم النسائية، يؤكد الياسين أن المشفى يوجود بداخله عمليات توليد طبيعية وقيصرية، كما يحوي على قسم عيادات خارجي وصيدلية مجانية ومخبر أشعة مجاني.
وتربط منظمة الصحة العالمية تراجع دعم المستشفيات في إدلب ومحيطها بنقص التمويل بالدرجة الأولى، حيث يُنذر احتمال استمرار توقّف الدعم عن المستشفيات والمراكز الطبية بكارثة وشيكة في إدلب، وخاصّة أن منظمة الصحة تؤكد في إحصائيات لها أن هنالك 3.1 مليون شخص من إجمالي 4.7 ملايين في شمال غرب سوريا بحاجة إلى مساعدة صحية.
بدوره، يؤكد الطبيب “أيهم الخلف” المسؤول الطبي في منطقة أطمة، إن مشفى الإخاء يُعدّ من أهم المشافي النسائية ضمن منطقة مليئة بمخيمات النازحين، إذ يقدّم الخدمات الطبية لأكثر من خمسة آلاف امرأة شهرياً، منها حالات توليد وحضانة وعلاج أطفال رضّع، كما يُقدّم خدماته بالمجان إلى ما يقارب من ثلاثة آلاف طفل مصاب بمرض الثلاسيميا بالمجان.
ولفت إلى أن توقف الدعم عنه يعني توقف تقديم الخدمات الطبية لهذا العدد من النساء اللائي لا تسمح لهن ظروفهن المعيشية المتردية، في تلقي العلاج المأجور، وأمّا الأطفال المصابون بفقر الدم؛ فهؤلاء حتماً سيواجهون مصير الموت المحقق مع إغلاق المشفى.
توقف مشفى شام للأطفال
وفي مدينة سرمدا حيث الكثافة السكانية الضخمة لفظ مستشفى الأطفال التابع لمؤسسة شام أنفاسه الأخيرة، إذ توقف دعمه منذ مطلع الشهر السابع تموز/يوليو، حيث كان يتوسط أكثر من 40 قرية وبلدة في منطقة إدلب وريف حلب الغربي، كما كان يعتبر من أكثر المشافي خدمياً للأطفال لكثرة الأسرّة الموجودة بداخله وأجهزته الطبية.
وعن أسباب توقف الدعم عن النقاط الطبية لمؤسسة شام، اعتبر مدير المكتب الإعلامي للمؤسسة “ماهر سلماوي”، أن هناك جزئية خاطئة لدى البعض وهي توقف الدعم عن معظم النقاط الطبية لمؤسسة شام لأنه غير صحيح، مؤكداً أنه لا يوجد توقف للدعم لمعظم المشاريع الطبية وإظهار الأمر بأنه مقصود وشامل، لافتاً أن مشاريع مؤسسة شام الإنسانية وخاصة الطبية تعمل بشكل جيد وتقدم خدماتها بشكل يومي”.
وبخصوص مشفى شام للأطفال، قال: إن “المشفى حاله كحال باقي المشاريع الطبية الأخرى للمؤسسة، فهناك مدة مشروع تنتهي ويتم التمديد لها، أو ربما يكون هناك فترة انقطاع بسيطة ريثما يتم بدء مشروع آخر، وحتى في هذه الفترة يتم العمل وتقديم الخدمات ضمن المشفى، متأملاً بعودة الدعم إلى هذه النقاط في أقرب وقت”.
ورفض السلماوي الكشف عن أي أسباب أخرى لتوقف الدعم، أو الخدمات التي كان يقدمها المشفى للسكان أثناء عمله الطبيعي قبل الانقطاع، أو عدد الحالات التي كان يستقبلها شهرياً، مبرّراً بوجود خطأ تقني.
الأطفال هم الضحايا
ولكن الطبيب “الياسين” الذي كان يشغل مدير صحة حلب سابقاً حذّر في حديثه لـ”أورينت نت” من توقف هذه النقطة بالتحديد بسبب أعداد الحواضن الكبير الموجودة داخل هذا المشفى التي تقدّر بـ”30 حاضنة أطفال”، والتي من شأنها أن تُخدّم آلاف العوائل، التي تعجز عن مصاريف تأمين حاضنة واحدة لأبنائهم في أحد المشافي الخاصة بسبب كلفتها الكبيرة.