أثارت الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى العاصمة التركية العديد من الأسئلة والتكهنات حول أهدافها، خاصة أنها جاءت بعد قضائه وقتاً قصيراً في دمشق.
ورغم تأكيد جهات تركية أن الزيارة كانت مجدولة
مسبقاً، إلا أن لقاء الصفدي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعدم الاقتصار على المحادثات مع نظيره هاكان فيدان، ضاعف من الاهتمام بما يمكن أن يكون الوزير الأردني قد حمله معه إلى تركيا.
وأياً تكن الخلافات في تقدير أهمية ومضامين هذه الزيارة، ومهما كان تقييم الدور والإمكانات الأردنية، إلا أن المؤكد هو أن الزيارة هذه تتعلق بالدرجة الأولى بالشأن السوري.
وحاولت “أورينت” الحصول على معلومات خاصة من الجانبين التركي والأردني عن مضمون المحادثات التي دارت بين الضيف الصفدي ومضيفيه، لكن جميع المصادر التي تم التواصل معها كررت ما تطرّق إليه الطرفان في تصريحاتهما الرسمية بعد المباحثات.
أما التسريبات والتحليلات التي رافقت الزيارة، فقد أكدت أن مهمة مسؤول الدبلوماسية الأردنية التي جاءت به إلى أنقرة لا تخرج عن واحدة من ثلاثة احتمالات:
الأول: خطة خاصة بعودة اللاجئين
أن يكون لدى عمّان خطة شاملة للتعامل مع قضية اللاجئين السوريين في دول الجوار، وهذا ما كان قد كشفت عنه صحيفة القدس العربي في عددها الصادر الثلاثاء الماضي.
وحسب الصحيفة، فإن الصفدي حمل رسالة مكتوبة إلى “بشار الأسد” تتضمن مبادرة عنوانها (تحفيز المجتمع الدولي بتغيير موقفه من النظام في سوريا بالتركيز على برنامج شامل لإعادة اللاجئين).
أمر لا يستبعده الدكتور “حسن المومني”، الخبير الأردني في مجال فض النزاعات الدولية، والذي يؤكد أن قضية اللاجئين السوريين كانت بكل الأحول الملف الأساسي على طاولة مفاوضات الوزير الصفدي في دمشق وأنقرة.
ويقول لـ”أورينت نت” بهذا الخصوص: الكل يعلم أن القضية الرئيسية المشتركة بين كل من الأردن وتركيا فيما يتعلق بسوريا هي قضية اللاجئين، حيث يستضيف البلدان العدد الأكبر من السوريين، وهذه إحدى أهم قضيتين تشغل المملكة الهاشمية حالياً، إلى جانب قضية تهريب المخدرات عبر الحدود السورية.
ويضيف المومني، الأردن لديه بالفعل خطة تجريبية لإعادة اللاجئين السوريين، وهي بالمناسبة جزء من الخطة الأردنية الشاملة للحل في سوريا، والتي تقترح أن يتم البدء من الملفات الإنسانية، وعمّان تريد أن تحشد لهذه الخطة الدعم الإقليمي، وتحديداً تأييد تركيا لها، بعد أن تم بحثها مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وبالتأكيد ناقشها الوزير الصفدي خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق والتي جرت قبل يوم من انتقاله إلى أنقرة.
وكانت وسائل إعلام ميليشيا أسد قد نقلت عن وزير خارجية النظام فيصل المقداد، عقب لقائه بنظيره الأردني يوم الإثنين، قوله: إن حكومته “لم تدفع أي مواطن سوري لمغادرة البلاد، وإنها قامت بالفعل بكل ما يلزم من أجل تسهيل عودة اللاجئين، الذين يمكن لكل من يرغب منهم بالعودة أن يفعل ذلك متى يشاء” !.
تصريحات تؤكد بوضوح أن الضيف الأردني ناقش خطته هذه حول عودة اللاجئين السوريين مع كل من بشار أسد وفيصل المقداد، لكنها تظهر في الوقت نفسه أن النظام لم يكن إيجابياً تماماً حيالها.
وإذا كان ما سبق يجعل من الاحتمال الأول هو الأكثر ترجيحاً عند التكهن بما حمله الصفدي إلى أنقرة، إلا أن لا أحد يعلم حتى الآن ما هو التقييم التركي لهذه الخطة، ومع ذلك لا يمكن تجاهل الاحتمالين الآخرين اللذين يُعتبرا محل اهتمام مشترك بين الجانبين، وهما:
الثاني: دمج مسارات الحل السياسي
مثّل اقتراح كازاخستان بوقف مفاوضات مسار أستانا، بعد انتهاء الجولة العشرين التي جرت الشهر الماضي، مثّل مفاجأة للكثيرين، بما في ذلك روسيا وتركيا.
قراءات مختلفة حاولت تفسير هذا الإعلان، لكن أبرزها هو احتمالية العمل على دمج هذا المسار مع مسار الحل العربي.
ولذلك لم يستبعد العديد من المراقبين إمكانية أن يكون الوزير الأردني قد طرح على الأتراك، ومن قبلهم بالطبع مسؤولي نظام أسد، أن يتم توحيد المسارين ونقل المفاوضات إلى عمّان أو مقر الجامعة العربية، أو أي عاصمة عربية أخرى يتوافق عليها جميع الأطراف.
أمر لا يستبعده الدكتور حسن المومني، الذي يرى أن تطور العلاقات العربية التركية، والمصالحة الإيرانية السعودية، يمكن أن يجعل كلاً من طهران وتركيا تؤيدان مبادرة الحل العربي طالما أن روسيا والولايات المتحدة لا تعترضان عليها.
لكن الكاتب والمحلل السياسي السوري المعارض عمر كوش لا يرى أن المملكة الأردنية لديها الإمكانيات التي تؤهلها للعب كل هذا الدور الإقليمي، كما إنه يستبعد أن تكون المبادرة العربية المزعومة هي مبادرة جدية، فضلاً عن أن تكون منسجمة مع القرارات الدولية.
ويقول في تصريح خاص لـ”أورينت نت”: الأردن معني بملف اللاجئين السوريين لأنه يريد بالفعل التخفف من أعباء العدد الكبير الذي يستضيفه، لكن لا يمكن القول إن الحل السياسي بسوريا يمكن أن يكون مناطاً به، لأن القضية السورية اليوم هي أكبر من الأردن، بل وأكبر حتى من المسار العربي كله، وأكثر ما يمكن انتظاره من هذا المسار هو استكمال تطبيع العلاقات مع نظام الأسد بعد الإقرار باستمراره، ولا بأس من إعادة دفعات من اللاجئين بالاتفاق والتعاون مع هذا النظام.
ويضيف كوش: لكن حتى مع ذلك، فإن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي سمع كلاماً ديموغوجياً من جانب النظام خلال زيارته إلى دمشق يوم الإثنين، من قبيل أن الحكومة لم تجبر أي مواطن سوري على مغادرة البلاد، وأن عودة اللاجئين تتطلب أموالاً من أجل تهيئة البيئة المناسبة خدمياً لعودتهم، بمعنى أن النظام يقول “مقابل كل دفعة من اللاجئين ستعود من الأردن يجب أن تُقدَّم دفعة مالية له”، لكن لا الدول العربية ولا غيرها قادرة على الدفع بسبب العقوبات المفروضة على هذا النظام كما هو معروف.
أما بخصوص دمج المسارات، فإن كوش، الخبير في الشؤون التركية أيضاً، يرى أن هذا ممكن، إلا أن الأمر لن يكون كما يعتقد محور التطبيع العربي.
ويوضح ذلك بالقول: دمج مسار أستانا بمسار الحل العربي يتطلب موافقة روسية بالدرجة الأولى، وإذا ما افترضنا أن روسيا لا تمانع بحكم أن ملامح الحل الذي يطرح العرب لا يزعجها، فإن هذا لا يكفي، لأن تركيا وإيران ستفرضان محدداتهما أيضاً، بل وسيكون لهما الكلمة الأقوى بحكم نفوذهما على الأرض السورية، بينما لا يتمتع العرب بأي تأثير عملي على الأرض.
الثالث: فتح طرق التجارة الدولية
من المعلوم أن كلاً من تركيا والأردن قد تضررتا بشكل كبير اقتصادياً من الحرب في سوريا بشكل عام، ومن إغلاق طريق النقل الدولي الواصل بين معبر باب السلامة-عنتاب ومعبر نصيب الحدودي مع الأردن.
ورغم أن الهاجس الأمني قد يبدو مقدماً بالنسبة للطرفين على إعادة تشغيل هذا الخط، إلا أن عدم وجود قواسم مشتركة بين الهواجس الأمنية لكل طرف من ناحية، والمتغيرات الإقليمية الكبيرة من ناحية أخرى، قد تجعل من الملف أمراً مهماً، أو على الأقل عامل تحفيز من أجل مزيد من التعاون.
فبينما تُعتبر مشكلة تهريب المخدرات والأسلحة من سوريا، الهاجس الأكبر بالنسبة لعّمان، بجانب المخاوف من زيادة نفوذ وانتشار الميليشيات الشيعية التابعة للحرس الثوري الإيراني قرب حدودها، تعتبر تركيا أن ميليشيا قسد واحتمالية قيام إقليم كردي في شمال شرق سوريا هو أخطر ما يقلقها.
ومع ذلك فإن العائدات الضخمة التي يمكن أن يوفرها إعادة فتح طريق الإم-5 للجانبين، تعتبر مغرية، خاصة بعد عودة العلاقات التركية-الخليجية إلى مسارها الطبيعي، ما يعني استعادة التبادل التجاري بين هذه الدول زخمه الكبير، حيث تعتبر سوريا والأردن طريق شحن مختصرة وقليلة التكاليف في خدمة هذا التبادل.
لكن مع تأكيده على أهمية هذا الملف، إلا أن كوش يشير إلى أن استئناف تشغيل هذا الطريق يتطلب جهوداً كبيرة في الوقت الحالي بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت به، والوضع الأمني غير المستقر، كما يتطلب تغير الموقف الغربي بشكل جدي من نظام الأسد، بما يشمل رفع العقوبات المفروضة عليه، وهو أمر غير متاح حتى الآن على الأقل.
بين من يعتقد أن هناك مبالغات في تقدير أهمية الجولة التي قام بها وزير خارجية الأردن الأسبوع المنصرم، والتي شملت كلاً من دمشق وأنقرة، انطلاقاً من اعتقادهم بأن هناك مبالغة أصلاً في تقييم الدور الأردني في القضية السورية، بل وحتى الدور العربي بالمجمل، وبين من يرى أن هذه الزيارة مهمة جداً وستترتب عليها تداعيات جديدة، مذكرين بما أدى إليه التحرك العربي في هذه القضية من تغيرات في المشهد، يبقى من المهم انتظار ما ستتكشف عنه هذه الزيارة من نتائج في الأيام أو الأسابيع القادمة.