برزت خلال الآونة الأخيرة العديد من المؤشرات التي تدل على تراجع أوفتور في العلاقات بين روسيا وتركيا ومنها عرقلة روسيا مقترحاً غربياً لتمديد الآلية الأممية لإدخال المساعدات إلى الشمال السوري
عبر الحدود لعام إضافي، وزيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأخيرة إلى إسطنبول واصطحابه قادة كتيبة آزوف، وتزمّت روسيا المستمر من عدم تطبيق اتفاقية الحبوب، وذلك بالتزامن مع إعلان تركيا موافقتها على انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو والبدء بمفاوضات جادة مع واشنطن حول مقاتلات إف-16.
وفي آخر التصريحات الصادرة عن مسؤولي البلدين، قال رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي فيكتور بونداريف، الاثنين، لوكالة “تاس” الروسية للأنباء، إن “الأحداث التي شهدتها الأسابيع الماضية، للأسف، تظهر بوضوح أن تركيا مستمرة بشكل تدريجي وثابت في التحول من دولة محايدة إلى دولة غير صديقة لأنها اتخذت سلسلة من القرارات الاستفزازية” بعد زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتركيا يوم الجمعة.
وذكر أن تركيا “تؤيد” محاولة أوكرانيا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأطلقت سراح قادة الكتيبة الأوكرانية التي دافعت عن مجمع “آزوفستال” للصلب بمدينة ماريوبول الأوكرانية قبل أن تسيطر عليها القوات الروسية، على الرغم من الاتفاق على بقائهم في تركيا حتى نهاية الحرب.
وتأتي هذه التصريحات في وقت يناقش فيه قادة دول الناتو يومي الثلاثاء والأربعاء مساعي أوكرانيا للانضمام إلى التحالف بقمتهم في فيلنيوس، وتصميمهم على مواجهة روسيا مدعومين بتخلي تركيا عن اعتراضها على انضمام السويد إلى الحلف الدفاعي.
ضغط غربي على تركيا
وتعليقاً على تلك التصريحات، يقول المحلل السياسي التركي الدكتور مهند حافظ أوغلو إن أنقرة تواجه ضغوطاً غربية في الملف الأوكراني في وقت بدأت فيه تمتعض فيه من التحرك العسكري الروسي في سوريا وملف التطبيع مع نظام الأسد.
وأضاف حافظ أوغلو في تصريح لأورينت نت أن لدى أنقرة واجبات تجاه حلف الناتو باعتبارها عضواً فعالاً فيه، لذلك أحالت ملف انضمام ستوكهولم إلى البرلمان الأمر الذي يستغرق نحو شهرين، ما يمثّل رسالة سياسية لروسيا.
وحول إمكانية تفكك الشراكة الإستراتيجية بين أنقرة وموسكو في الوقت الحالي، أكد حافظ أوغلو أن هناك لدى البلدين حاجة ماسّة لكل منهما في ملفات متعددة عسكرية واقتصادية وسياسية، مرجحاً أن يبقى الوضع على ما هو عليه ما لم تلجأ روسيا لضربة نووية في أوكرانيا والتي قد تكون نقطة تحول حقيقية في مسار العلاقات، وهو أمر مستبعد حالياً، على حد قوله.
علاقات واسعة وعميقة
من ناحيته، اعتبر الأكاديمي والباحث المختص بالشأن الروسي، محمود الحمزة أن علاقات البلدين واسعة وعميقة، مضيفاً أن موسكو بحاجة أنقرة لتخفيف وطأة العقوبات الغربية في حين أن أنقرة تستفيد من الأخيرة في الاقتصاد والتجارة والسياحة والطاقة والأمن.
وأوضح الحمزة في تصريح لأورينت نت أن هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها خلافات بين البلدين ثم يتجاوزانها لأن حاجتهما لبعضهما تفرض نفسها على مسار العلاقات، مستذكراً الخلاف بينهما حين إسقاط الطائرة المقاتلة الروسية في سوريا عام 2015.
آزوف والانضمام للناتو
في السياق، شكل سماح تركيا لقادة كتيبة آزوف الأوكرانية بالعودة إلى بلادهم مع زيلينسكي مصدر إزعاج للكرملين، الذي أعرب عن احتجاجه على الأمر، كما إنه اتهم تركيا بخرق اتفاق تبادل الأسرى.
وأعلن الرئيس الأوكراني عن عودته إلى بلاده قادماً من تركيا برفقة عدد من قادة مقاتلي الكتيبة، وأظهرت صور على مواقع التواصل لقاء زيلينسكي بقادة آزوف وصعودهم معه على متن الطائرة التي أقلعت من إسطنبول في ختام زيارته لتركيا.
كما أثارت تصريحات أردوغان حول انضمام أوكرانيا إلى الناتو، حفيظة روسيا، بعد أن أكد الرئيس التركي أن أوكرانيا تستحق بلا شك عضوية حلف شمال الأطلسي.
وقال أردوغان: “منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 (من قبل روسيا) في انتهاك للقانون الدولي، أعربنا عن دعمنا لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها واستقلالها على جميع الأصعدة، وأظهرنا تضامننا مع أوكرانيا فعلياً من خلال المساعدة الملموسة التي قدمناها في المجالات السياسية والاقتصادية والإنسانية والتقنية”.
لكن أردوغان وفي كلمة أمام أنصاره عقب لقاء زيلينسكي، أشار إلى أن بلاده تتبع سياسة متوازنة مع دول الجوار، ولن تسمح لأي طرف بإفساد علاقاتها مع روسيا، مؤكداً استمراره بالحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الخلافات “مجرد مناورة سياسية”
وتعليقاً على ذلك، قال المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو في تصريحات لأورينت نت إن العلاقات بين البلدين مرت بمنحنيات كبيرة منها إسقاط الطائرة المقاتلة في سوريا واغتيال السفير الروسي في أنقرة، إلا أنها توطدت عبر التنسيق في عدة ملفات أبرزها التعاون في سوريا وصفقة صواريخ إس-400 الروسية وكذلك عقب إفشال المحاولة الانقلابية عام 2016.
ورأى كاتب أوغلو أن التنسيق بين البلدين ازداد عقب الحرب الروسية خاصة بعد تمديد صفقة الحبوب 3 مرات بسبب العلاقات الخاصة بين أردوغان وبوتين وكذلك إتمام صفقة لتبادل الأسرى بين موسكو وكييف بوساطة أنقرة.
وحول تسليم قادة كتيبة آزوف اعتبر المحلل السياسي أن هناك تنسيقاً مسبقاً بين البلدين وأن أنقرة لا يمكن أن ترتكب مثل هذا الخطأ الدبلوماسي وأن تغامر بعلاقاتها الإستراتيجية مع روسيا من أجل أوكرانيا.
بالمقابل، أوضح كاتب أوغلو أن إعلان تركيا أن أوكرانيا تستحق أن تدخل الناتو هي إستراتيجية ذكية من قبل أردوغان لزجّ موسكو أكثر في حربها المستمرة منذ 20 شهراً ضد كييف.
المساعدات الأممية إلى الشمال السوري
على الصعيد السوري، كشفت مصادر دبلوماسية بريطانية أن روسيا رفضت مقترحاً غربياً لتمديد الآلية الأممية لإدخال المساعدات إلى الشمال السوري عبر الحدود لعام إضافي، ما أدى إلى انتهاء صلاحية الآلية الإثنين دون أي اتفاق.
وقالت الرئاسة البريطانية لمجلس الأمن إن التصويت الذي كان مقرراً الجمعة أُرجئ إلى الإثنين، ثم أُجّلَ مجدداً إلى صباح الثلاثاء.
وفي هذا الصدد، لفت كاتب أوغلو أن هناك اصطداماً بين مصالح البلدين في سوريا خاصة فيما يتعلق بالأمن القومي التركي، لكن العلاقة الشخصية بين رئيسي البلدين ساعدت في تجاوز العديد من العقبات، ما أثار استياء الغرب والناتو.
وبشأن ملف تمديد المساعدات إلى الشمال السوري، لفت أن علاقات رئيسي البلدين القوية كفيلة بأن تعطي نتائج إيجابية على الأرض دون إعطاء أية تنازلات في موضوع تمديد المساعدات والأمن القومي أو انسحاب القوات التركية من المنطقة أو فتح قنوات للحوار مع نظام الأسد.
ووفق كاتب أوغلو فإن فوز أردوغان بالانتخابات نبّه الغرب إلى ضرورة تصحيح مسار العلاقات مع أنقرة وتذليل العقبات معها، وهو ما دفع الأخيرة لرفع سقف شروطها، مطالبة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مقابل موافقتها على انضمام السويد إلى الناتو.
ووصف المحلل السياسي تصريحات بعض مسؤولي البلدين بالمناورة السياسية من أجل تخفيف الضغط على أنقرة من قبل الغرب، ومحاولة للاستفادة من التطورات الإقليمية الحاصلة.
شراكة مصلحية رغم الخلافات
من ناحيته، اعتبر الكاتب المتخصص في الشؤون الروسية، سامر إلياس أن العلاقات بين البلدين لم تكن بهذه البساطة خلال الآونة الأخيرة حيث تضاربت مصالحها والتقت عدة مرات في ملفات متنوعة في أذربيجان وسوريا وليبيا والقوقاز، واصفاً الشراكة بينهما بـ”الصعبة والنفعية”.
وقال إلياس في تصريح لأورينت نت إن تركيا تريد الخروج بمكاسب من الأوضاع الدولية، خاصة أنها تمثّل قوة لها ثقلها في حلف الناتو، بينما تسعى موسكو إلى إبعادها عن الحلف وإحداث شرخ بين الطرفين.
وحول موضوع آزوف، ذكر إلياس أن ذلك يؤثّر بالطبع على علاقات البلدين، إلا أن ما يؤثر أكثر هو موافقة تركيا على انضمام السويد إلى الناتو ما يدفع روسيا إلى إعادة حساباتها الإقليمية والدولية.
وأكد الباحث أن مستقبل العلاقات بين البلدين قد يصل إلى مرحلة صعبة وشائكة لكنهما مضطرّان في الوقت ذاته للتنسيق في ملفات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وسوريا، حيث تحتاج موسكو خدمات أنقرة فيما يخص الحرب ضد كييف، إذ تُعتبر تركيا طرفاً مقبولاً في أي تسوية سياسية أو مفاوضات قد تحصل مستقبلاً.