كشف أكاديمي سوري الخسائر الحقيقية للحريق الذي شبَّ أمس في منطقة ساروجة القديمة وسط العاصمة دمشق، والتي حاولت ميليشيا أسد والدوائر التابعة لها طمسها والتعتيم عليها، مبيناً أن ما جرى هو
عملية طمس لأنساب العائلات العريقة والوثائق التي تثبت ملكيتها لبعض أحياء المدينة التي استولى عليها النظام دون وجه حق.ق
وقال الأكاديمي “محمد الحسين” إنه زار دار الوثائق التاريخية التي حرقت أمس والتي كانت قصر رئيس الوزراء السوري “خالد العظم” قبل أن تضع يدها عليه الحكومة لمصلحة المديرية العامة للآثار والمتاحف وتخصص جزءاً منه لحفظ الوثائق التاريخية والمخطوطات.
وبيّن أن هذا الصرح الذي حُرق مليء بمئات المجلدات العثمانية التي تتنوع ما بين القطع الكبير والقطع الصغير، إضافة لوثائق المحاكم العسكرية أيام العثمانيين وعقود البيوع والإرث والإيجار ووصف لوثائق تخص كل بلدة من ضمنها ما يثبت أن الدولة العثمانية كانت في قضائها تقوم على المذاهب الأربعة.
وثائق الأنساب
وأشار الأكاديمي السوري إلى أن الأمر الثاني المهم الذي تحويه تلك الدار هو وثائق الأنساب للعائلات الدمشقية العريقة وطريقة توثيقها، حيث يذكر الاسم الرباعي وليس الثلاثي ما سهل على الباحثين أن يُلحقوا العوائل التي في دمشق والتي تَغيّر اسمها في الشجرة التي هم منها.
ولفت “محمد الحسين” إلى أن من سمات هذه الوثائق أنها تذكر العوائل التي لها نسب قُرشي أو أنصاري أو غير ذلك، كما إنها جميعاً مكتوبة بخط اليد ما يعد ثروة عظيمة لا تقدر بثمن ولا يقتصر هذا على الأنساب فقط بل يشمل الأملاك التي سيطرت عليها ميليشيا أسد وحاول دفنها.
وأردف، أن النظام أراد في هذا الحريق طمس معالم الطابو العثماني بسبب إثباته ملكية عوائل كبيرة في دمشق، لأماكن تم سلبها والسيطرة عليها وقام بإضاعة حق أهلها فيها، مؤكداً على سبيل المثال أن هناك عائلة في حي المهاجرين تمتلك ساحة الأمويين ومكتبة الأسد بالإضافة لمبنى الإذاعة والتلفزيون، كما إن بيت غفير يملكون قطاعاً كبيراً من جسر فيكتوريا إلى فندق الفورسيزون من الناحية المطلة على ضفة بردى
إيران والوثائق المحروقة
وبيّن أن هذه كلها كانت موجودة في الوثائق العثمانية التي لم يطّلع عليها الأبناء وسلبَها النظام منهم ووضع يده عليها واليوم انتهت، مشيراً إلى أن مما تضمّنته تلك الكتب أيضاً، المعاملة مع الدولة الإيرانية، وكيف كانوا يتعاملون معها كدولة عدوّة.
وتابع أن هناك وثيقة مكتوب فيها (يُسمح لرعايا الدولة العثمانية السفر إلى كل أنحاء المعمورة ما عدا إيران)، معتبراً أن المصاب كبير، ولكن ما هو أكبر منه هو السكوت عمّا يجري من طمس لتاريخ دمشق ووثائقها وأرشيفها، والعبث بنسيجها الاجتماعي، وذلك لأن من يقومون بذلك ليس لهم لا تاريخ ولا دين ولا أصل.
حريق مفجع
وكان أمس شبّ حريق ضخم في حي ساروجة وحي العقيبة الأثري العريق، حيث أتى على (بيت التراث الدمشقي، قصر خالد بيك العظم، مديرية المتاحف “مبنى الوثائق التاريخية”، قصر أمير الحج ووجيه دمشق “عبد الرحمن باشا اليوسف” وحوالي عشرة منازل).
وزعم مسؤولو حكومة ميليشيا أسد أن المخطوطات التاريخية في مركز الوثائق لم تحترق وجرى نقلها إلى مكان آخر، الأمر الذي نفاه العديد من الناشطين، مؤكدين أن الحريق ليس من قبيل الصدفة مطلقاً بل هو جزء من تغيير هوية وإخفاء لكل الآباء المؤسسين لسوريا وكبار رجالاتها كعبد الرحمن اليوسف الذي يعدّ بيته آية في الجمال والفن والإبداع.
ولم يُعرف سبب الحريق كما لم يُصدر النظام أي بيان حتى اللحظة، وفقاً لما أعلنته وسائل إعلامه، إلا أنه من المتوقع أن يتم نسب الحريق إلى “ماس كهربائي” كما جرت العادة لدى النظام، إلا أن أصابع الاتهام أشارت بوضوح إلى وقوف إيران وراء الحريق نظراً لجهودها المستمرة منذ 2011 للتمدد في المنطقة، ويحاول نظام الملالي الضغط على أصحاب المحال التجارية في دمشق القديمة لبيع محالهم بهدف الاستيلاء على قلب دمشق الحيوي.
وأكد أحد سكان الحي لأورينت نت أن سيارات الإطفاء تأخرت أكثر من ساعة ونصف حتى وصلت إلى المكان، حيث طالت النار منزلاً يعدّ تحفة أثرية فريدة كانت تعود ملكيته لعبد الرحمن باشا اليوسف أمير الحج الشامي، وهو اليوم مدرَج على خارطة المواقع الأثرية لوزارة الثقافة.